القطاع العقاري في لبنان إشكاليّة النمو والأزمة |
د. ناجي جمال على الرغم من أنّ القطاع العقاري في لبنان، شهد منذ العام 1950 تقلّبات في قيمه الماليّة، حيث كان متأرجحاً ما بين الارتفاع والهبوط، بسبب عوامل عدّة، أهمّها تطوّر الأوضاع الأمنيّة والسياسيّة، إلاّ أنّ المسار العام لأسعار الشقق السكنيّة، كان في تصاعد دائم، مع اختلاف في نسب هذا التصاعد من حقبة لحقبة، تبعاً للتأثيرات الأمنيّة والسياسيّة.
فقد أظهر تقرير الاستثمار العالمي لعام 2010 الصادر عن منظّمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «اونكتاد» ارتفاع حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى لبنان بنسبة11% عام 2009، إذ زادت من 4.3 مليارات $ عام 2008 إلى 4.8 مليارات $ نهاية 2009، مواصلة بذلك الزيادة الملحوظة عن 3.4 مليارات $ عام 2007 حيث كان غالبها في قطاع العقارات، (على الرغم من ارتفاع تكلفة التملّك في لبنان حيث «أشار التقرير السنوي لـ: Global Property guide لعام 2009 عن توجهات قطاع العقارات العالمي، إلى أنّ لبنان احتلّ المركز 60 عالمياً والمركز 4 من 10 أسواق شرق أوسطيّة من حيث كلفة عمليات الشراء والبيع (كلفة التسجيل ورسوم السمسرة والرسوم القانونيّة والضرائب...)». من هنا نلاحظ أنّ لبنان شهد نموّاً اقتصاديّاً في الأعوام الأخيرة، في حين كانت معظم بلدان المنطقة منهمكة في معالجة ذيول الأزمة الماليّة العالميّة وتسجّل معدّلات نمو سلبيّة (من القطاع المالي والمصرفي، إلى القطاع العقاري وليس آخرها السياحي...). «لقد سجّل الاقتصاد اللبناني نموّاً بلغ أكثر من 8% في العام 2010، مقارنة مع 9.5% في العام 2009. وبلغ إجمالي الناتج المحلّي حوالى 40 مليار $ وذلك في العام 2010». إنّ هذا النمو في الاقتصاد اللبناني يعزى بشكل رئيسي إلى القطاع المصرفي والقطاع العقاري اللذَين سجّلا معدلات نمو مرتفعة بفعل التحويلات الماليّة الواردة إلى السوق الماليّة اللبنانيّة، وذلك عبر المصارف اللبنانيّة والتي توجهت بجزء كبير منها نحو الاستثمار العقاري باعتباره الأقلّ خطراً، في ظلّ المشاكل والأزمات التي تعانيها الأسواق العالميّة.
يسجّل القطاع العقاري في لبنان نمواً متواصلاً وبوتيرة سريعة لم يشهد لها لبنان مثيلاً، وعلى وجه التحديد منذ عام 2007 ولغاية نهاية 2010، وهذا النمو يتمثّل في زيادة الطلب على الشقق السكنيّة. والمحرّك الأساسي لهذه الطفرة العقاريّة، كان زيادة الطلب على شراء الشقق من اللبنانيين مقيمين ومغتربين ومن الرعايا العرب نتيجة الأزمة الماليّة العالميّة الأخيرة. لكنّ الملاحظ هدوء هذه الطفرة العقاريّة في عام 2011، والتي شهدت ركوداً وانخفاضاً في الطلب على الشقق السكنيّة نسبة للسنوات السابقة، وذلك يعود للأسباب التالية: - التباطؤ الاقتصادي الإقليمي، وخاصّة في دول الخليج العربي، ممّا أثّر سلباً على القدرة الشرائيّة لمواطني تلك الدول وللبنانيين العاملين فيها. - تراجع أداء أسواق العقارات في دول مجلس التعاون الخليجي، بفعل تداعيات الأزمة الماليّة العالميّة. - أزمة المديونيّة في بعض دول الإتحاد الأوروبي (اليونان، البرتغال، إسبانيا...)، ومشكلة الاستدانة الأميركيّة، وتأثير ذلك على نظام الصرف العالمي، وتحوّل المستثمرين إلى الذهب كبديل آمن، عن مجمل الاستثمارات الأخرى. إنّ هذه التطوّرات والتغيرات تطرح علامات استفهام كثيرة بل وأسئلة متعدّدة حول مصير القطاع العقاري في لبنان وهل نحن أمام فقاعة عقاريّة شبيهة بالتي حدثت في الولايات المتحدة الأميركيّة والتي بدأت عام 2007 أم مجرّد حركة طبيعيّة للسوق المستندة إلى قانون العرض والطلب؟ لقد أظهرت التجربة الأميركيّة أنّ عوامل الفقاعة العقاريّة التي حدثت وأدّت لاحقاً إلى الأزمة الماليّة العالميّة يمكن إيجازها بما يلي: - تفلّت السوق المصرفيّة الأميركيّة من ضوابط الرقابة، وخاصّة في مجال القروض المصرفيّة. - عدم اعتماد مبدأ التنويع والتوزيع في مكوّنات الاستثمار. - السعي الدائم لدى جمهور المستثمرين إلى الربح السريع. - عدم الأخذ بعين الاعتبار مخاطر الاستثمار في العائدات المرتفعة. من هذا المنطلق فإنّ التطوّر العقاري في السوق اللبنانيّة مرّ بمراحل شبيهة إلى حدّ ما بالتجربة الأميركيّة، وخاصّة لناحية تطوّر الأسعار السريع والتصاعدي، حيث إنّه وبحسب قاعدة البيانات لشركة «رامكو العقاريّة»، فإنّ أسعار العقارات في لبنان تميّزت بخطّ تصاعدي لم يتوقّف حتّى خلال الأزمات. وهنا موجز لأهمّ مراحل تطوّر الأسعار في سوق بيروت العقاريّة: الفترة من 2005 وحتّى 2007: رغم تدهور الأوضاع الأمنيّة والسياسيّة، فقد أظهرت السوق العقاريّة صلابة مفاجئة. ورغم تفاوت الطلب حسب الظروف ومن سنة لأخرى فإنّ أسعار الشقق كانت تزيد ما بين 10 و20% كل سنة. الفترة من 2007 حتّى 2008: شهدت هذه الفترة زيادة كبيرة في الطلب من المغتربين اللبنانيين، كما تزامن ذلك مع ارتفاع أسعار مكوّنات ومواد البناء، ومع ارتفاع التفاؤل السياسي بعد اتفاق الدوحة. زاد الطلب بقوّة وقفزت الأسعار في تلك الفترة بين 30 و40% كما تجاوز سعر متر البناء لأوّل مرّة الحاجز النفسي لـ2000$ بالمتر المربع ووصل إلى 3500 $ في وسط العاصمة. الفترة من 2008 إلى 2009: رغم الأزمة الماليّة العالميّة وتداعياتها، بقيت السوق العقاريّة في بيروت هادئة نسبيّاً وبعيدة عن الآثار السلبيّة للأزمة. الفترة من نهاية 2009: بعد مرحلة الترقّب (السابقة) عادت السوق إلى الارتفاع من جديد، وزادت أسعار الأبنية الجديدة ما بين 5 و10%، وهذا يعود إلى ارتفاع أسعار الأراضي.
جدول رقم (1): أسعار العقارات في بيروت وضواحيها (تمّوز 2010): (السعر للمتر المربع)
المصدر: الجدول أُعدّ بناءً على مقابلات أُجريت مع عدّة خبراء محلفين ومعتمدين لدى المصارف اللبنانيّة. يمكن اعتبار أنّ أسعار الشقق السكنيّة قد تضاعفت أربع مرّات منذ العام 2000 ولغاية 2010، أي أنّ نسبة الزيادة أو الارتفاع في الأسعار لا تقلّ عن 400%، ما بين عامي 2000 و2010، ومقيمة على الشكل التالي: نسبة الزيادة = (أسعار 2010 أسعار 2000)/ أسعار 2000= 400%. أمّا في مجال احتساب العائد (أو المردوديّة) من الاستثمار العقاري، فيجب الفصل ما بين المطوِّرين والشاري (بهدف السكن). أوّلاً: بالنسبة للمطوّر العقاري فإنّ معدّلات الأرباح متفاوتة بين مطوّر وآخر. وتحديد معدّلات العائد تخضع لعوامل عديدة أهمّها: - تاريخ البدء بمشروع البناء، فمن نفّذ مشاريعه في فترة نهاية التسعينيّات وبداية الـ2000، استفاد من عدّة عوامل، شراء الأراضي بأسعار منخفضة، مخالفات بناء تؤدّي إلى مضاعفة المساحة المبنيّة مقارنة بالمساحة المسموح بها... - المنطقة الجغرافيّة، إذ إنّ مشاريع البناء في بيروت الكبرى كانت ذات مردود مرتفع جداً، مقارنة بمشاريع المناطق (الجنوب، البقاع والشمال..) إنّ اعتماد المطوّرين على أموال المشترين جعل من العائد على الاستثمار يبلغ معدّلات مرتفعة جداً، حيث إنّ المقاول أو المطوّر كان يشتري الأرض ويبدأ البيع ويقبض جزءاً من قيمة المبيعات (ما بين 20 و40% من قيمة البيوعات) قبل أن يبدأ المشروع باستثناء الحصول على رخص البناء (البيع على الخريطة). وللتوضيح نورد مثالاً عملياً لأحد المشاريع التي حازت على رخص الإنجاز نهاية 1999 وسلّمت الشقق للمشترين نهاية2001: - شراء قطعة الأرض والذي هو عبارة عن رأس المال المدفوع من المطوّر= 200000$. - كلفة البناء كانت تقدّر بـ 150$ للمتر المسطح المبني ( البناء الجيّد جداً). المساحات المباعة، عبارة عن: 12 شقّة مساحة كلّ منها 120 متراً مربعاً. 12 شقة 50000$ = 600000$ إضافة إلى الطابق المرّ بقية 100000$ ليصبح مجموع قيمة المبيعات 700000$. - أمّا كلفة البناء (باستثناء قيمة الأرض)= 12 شقّة 120 متراً 150$ للمتر= 216000$ يضاف إلى ذلك كلفة الطابق الإضافي= 1 شقة 180 متراً 150$ للمتر= 27000$ ليصبح إجمالي الربح عن هذا المشروع - قيمة المبيعات 700000$. - قيمة الأرض 200000$ - كلفة البناء 243000$ = إجمالي الربح 257000$ وعادة يقتطع من إجمالي الربح ما يوازي 20% كبدل إشراف لمكتب الهندسة (يشمل كلّ المصاريف والأتعاب) ليصبح صافي الربح عن مشروع كهذا: 257000$ (1ذ 0.20)= 205600$. تبعاً لهذا المثال العملي، يصبح العائد على الاستثمار= الأرباح الصافية/ رأس المال المستثمر= (205600/ 20000) 100= 102.8%. ممّا سبق نلاحظ أنّ معدّلات العائد كانت تزيد عن المئة بالمئة، هذا من دون الأخذ بعين الاعتبار التغيّرات التي قد تطرأ على أسعار البيع ما بين البدء بالمشروع ولحين نهاية التنفيذ، وعلى شرط التزام المطوّر بالمواصفات والمعايير المحدّدة في عقود البيع التي على أساسها تمّ تحديد كلفة البناء بـ 150$ للمتر المربع الواحد. ثانياً: بالنسبة لشاغلي الشقق (مشتري الشقق بهدف السكن): بالنسبة لهذه الشريحة وهي الأكبر (مقارنة بعدد المطوّرين أو المقاولين)، فإنّ عوامل ومعايير قياس الربحيّة تختلف كثيراً عمّا سبق. فلو اعتمدنا المثال السابق نفسه، فالشقة التي بيعت عام 2000 بسعر 50000$ تقيَّم اليوم (ما بين نهاية 2010 والنصف الأوّل من 2011) بما بين 150000 و200000، وذلك تبعاً لحالة وموقع البناء وحجم الإضافات... أي أنّ قيمة العقار قد تضاعفت ما بين 3 و4 أضعاف، ولنأخذ الحدّ الوسطي لنموّ الأسعار أي ما يقارب 350% (خلال 10 سنوات مع الأخذ بعين الاعتبار للاستهلاك الذي تعرّض له البناء). بالمقابل يجب الأخذ بعين الاعتبار جملة معطيات ومحدّدات: 1- إنّ شراء عقار في العام 2000 بقيمة 50000$ يعني في المقابل التخلّي عن حوالى 62500 يورو على أساس أنّ سعر صرف اليورو على الدولار في حينه كان يساوي 1$= 0.80 يورو. الأسعار الحاليّة السائدة لليورو مقابل الدولار هي1 يورو= 1.40$، أي أنّ قيمة الـ62500 يورو تساوي اليوم 62500 يورو 1.40$= 87500$. وهذا يعني أنّ شاري هذا العقار قد تخلّى عن 87500$ وليس 50000$ فقط. 2- إنّ قيمة توظيف مبلغ 87500$ في استثمار دون مخاطرة (سندات خزينة أو حساب مصرفي مجمّد) بعائد سنوي 4% لمدّة 10 سنوات، وعلى أساس فائدة مركّبة يصبح ما يلي: 87500$1.54= 134750$. 3- وإذا افترضنا أنّ القدرة الشرائيّة في لبنان قد انخفضت (حتّى بالنسبة للدولار الأميركي وليس فقط بالنسبة لليرة اللبنانيّة) بمعدّل سنوي 4% (وسطي معدّل التضخم السنوي في لبنان تبعاً لتقارير مصرف لبنان للفترة ما بين 2000 و2010) أي أنّه وخلال عشر سنوات انخفضت القدرة الشرائيّة لقيمة العقار الحاليّة والمقدّرة بـ 175000$ لتصبح فعليّاً 105000$. خلاصة القول إنّ مالك هذا العقار تخلّى عن 134750$ ليمتلك 105000$، وبهذا يكون قد تكبّد خسائر محتسبة على أساس القيمة الحاليّة للتدفقات النقديّة ومؤشّر القدرة الشرائيّة لليرة اللبنانيّة والدولار الأميركي، بما يوازي: 29750$، وبالتالي يصبح معدّل العائد لهذا المستثمر العقاري سلبيّاً بما نسبته ( 29750$/ 50000$) 100= 59.5%. قياس الخطر: LE RISQUE في مقابل مفهوم المردوديّة والذي يعتبر نسبيّاً على درجة من الوضوح وتسهل عمليّة التعبير عنه بشكل رياضي، فإنّ مفهوم الخطر (وقياسه) معقّد بنسبة أكبر.
مخاطر الإستثمار يمكن تعريف خطر الاستثمار على أنّه عدم التأكّد الحاصل في قيمة الاستثمارات في الفترات المستقبليّة. وحيث إنّ الهدف الأساسي لكلّ مستثمر يتمثّل بتحقيق نسبة مردوديّة معيّنة على رأس المال الذي يمتلك وإنّ الحصول على ذلك غير مؤكّد مسبقاً حيث إنّ المردوديّة المحقّقة لاحقاً قد تكون أقلّ أو أكثر من المردوديّة المتوقّعة (سابقاً)، من هنا تبرز أهميّة قياس خطر أي استثمار مالي، وذلك يتمّ عبر تحديد درجة حساسيّة هذا الاستثمار تجاه تقلّبات وتغيّرات السوق، والتي يرمز إليها بـ (ق) وتقاس عبر المعادلة التالية: ق = Cov (Rx, Rm)/ VARRM والتي في حال كانت قيمتها أكبر من واحد فإنّ السهم حسّاس أكثر تجاه تقلّبات وتغيّرات حركة السوق، ممّا يعني أنّ خطر الاستثمار أكبر وبالتالي المستثمر يطلب عائداً أعلى، أمّا في حال كانت قيمته أقرب إلى واحد فإنّ خطر الاستثمار يكون أقلّ، وبالتالي يصبح العائد المطلوب على هذا الاستثمار أقل. يمكن قياس مخاطر أي استثمار، بالاستناد إلى التغيرات المتوقعة ما بين العوائد المحقّقة وتلك المتوقّعة. أو من خلال مقارنة معدّلات النمو للاستثمار المعني مع مؤشّر السوق العام وقياس مدى ارتباطهما خلال فترة زمنيّة محدّدة. وحيث إنّ قياس العوائد المتوقّعة أو المحقّقة لمشاريع الأبنية في لبنان نظراً لعدم وجود معطيات دقيقة وتفصيليّة عن قيمة المبيعات والأكلاف لمختلف المشاريع، سوف نعتمد طريقة القياس الأخرى، أي سوف نقوم باختيار ثلاثة عناصر ذات دلالة عن تطوّر القطاع العقاري في لبنان، وذلك خلال الفترة الممتدّة من عام 2002 لغاية 2010 ضمناً وهي: 1- تطوّر رخص البناء الممنوحة 2- حجم الإسمنت المسلّم 3- الرسوم العقاريّة المستوفاة وتحقيقاً لهذا الهدف سوف نعدّ الجداول التالية:
جدول رقم (2): تطوّر رخص البناء من عام 2002 لغاية نهاية 2010: نسبة التغير % قيمة التغير رخص البناء (بالمتر المربع) السنة --- 7898204 2002 +11.5 + 908578 8806782 2003 +9.75 + 858184 9664966 2004 - 8.8 -- 854363 8810603 2005 +4.85 + 427031 9237634 2006 - 2.16 - 200025 9037609 2007 +77.3 + 6985913 16023522 2008 -43.7 - 6917847 9105675 2009 + 57.4 + 5226620 17608003 (لغاية شباط 2011)
جدول رقم (3):تطوّر حجم الإسمنت المسلّم نسبة التغيّر % قيمة التغيّر الحجم السنة 2601327 2002 + 4 + 103010 2704337 2003 +0.9 2728978 2004 -16 - 438730 2290248 2005 +49.46 + 1132678 3422926 2006 +15.25 + 522020 3944946 2007 + 6.95 + 274309 4219255 2008 -12.91 - 544610 3674645 2009 + 42.23 + 1551975 5226620 2010
جدول رقم (4): الرسوم العقاريّة المستوفاة: نسبة التغيّر% قيمة التغيّر الرسوم العقاريّة (مليون ل.ل.) السنة 220055 2002 +4.8 10566 230621 2003 +41 94591 325212 2004 +2.7 8829 334041 2005 -9.84 (32878) 301163 2006 +34.85 104952 406115 2007 +53.41 216898 623013 2008 -32.7 (203816) 419197 2009 +120.4 504804 924001 2010
جدول رقم (5): المؤشّر الاقتصادي العام نسبة التغيّر% قيمة التغيّر المؤشّر الاقتصادي السنة 146.0 2002 7.6+ 11.1 157.1 2003 +8.28 13 170.1 2004 +1.5 2.55 690.6/4 = 172.65 2005 -0.61 -1.05 686.4/ 4 = 171.6 2006 +4.9 8.4 720.2/4 = 180.0 2007 +10.22 18.4 793.6/ 4 = 19804 2008 +11.64 23.1 664.5/4 = 221.5 2009 +12.64 28 998/4 = 249.5 2010
من خلال هذه الجداول التي تعرض لتطوّر رخص البناء وحجم الإسمنت المسلّم إضافة إلى قيمة الرسوم العقاريّة المستوفاة، وبعد دراسة مدى ارتباط التغيّرات في العناصر الثلاثة مع المتغيّرات الحاصلة في مؤشّر السوق العام، بهدف احتساب درجة حساسية هذه العناصر تجاه السوق، وذلك اعتماداً على المعادلات المذكورة سابقاً لاحتساب تبيّن لنا النتائج التالية:
درجة الحساسية ق الترابط Cov. الخطر پ التباين Var. العنصر 0.3766 1.77 % 35.43 % 12.557 % رخص البناء - 0.003 - 0.147 % 22.19 % 4.9248 % الإسمنت المسلّم 4.058 0.9067 % 44.27% 19.603 % الرسوم العقارية 1 0.22345 % 4.7 % 0.22345 % مؤشّر السوق
وبتحليل هذه النتائج يتبيّن لنا التالي: 1- بالنسبة للرسوم العقاريّة نلاحظ أنّ درجة حساسية هذا العنصر تجاه السوق= 4.058 وهذه حساسية عالية تتضمّن مخاطر استثماريّة عالية (44.27%) وتدلّ على اعتماد مؤشّرات النمو الاقتصادي في لبنان على الضرائب المباشرة وغير المباشرة، إذ إنّ كلّ زيادة في معدّل النمو الاقتصادي في لبنان بنسبة 1% يعني زيادة في الرسوم العقاريّة المستوفاة بنسبة 4%. على الرغم من الترابط الكبير ما بين الرسوم العقاريّة ومؤشّر السوق، ونظراً لأنّ استيفاء الرسوم العقاريّة يتمّ بعد الإنشاء وحتّى بعد البيع بفترات طويلة (خاصّة في ظلّ عدم تسجيل العقارات)، وارتباطها بعوامل أمنيّة وسياسيّة (قوانين تسوية مخالفات البناء، الإعفاء من الغرامات، تغيير نسب هذه الرسوم...)، فإنّنا نعتبر أنّ هذا العنصر لا يحمل دلالات ذات بعد اقتصادي يؤشّر لتطوّر القطاع العقاري في لبنان، لذا سوف يتمّ استبعاده كعنصر ذي دلالة إحصائيّة. 2- بدراسة نتائج العنصرين الآخرين (رخص البناء الممنوحة وحجم الإسمنت المسلّم)، نلاحظ ما يلي: أ- ارتفاع حجم مخاطر الاستثمار العقاري بنسبة 22 و35% إذ إنّ مخاطر أي استثمار هو عبارة عن التشتت في العوائد المتوقّعة لهذا الاستثمار عن متوسّط العائد المرجح. ب- إنّ انخفاض درجة الحساسية (ما بين 0.3766 للرخص الممنوحة و0.003 سلبي للإسمنت المسلّم) يعني أنّ حركة العقار في لبنان لا ترتبط بعوامل السوق الداخليّة إلا بنسب ضئيلة جدّاً، وغالبيّة العوامل المؤثرة على هذا القطاع هي عوامل خارجيّة. إنّ ارتباط حركة العقار بحركة السوق العام من خلال ما ظهر في تطوّر رخص البناء الممنوحة قد يعود في أحد أوجهه إلى عوامل تشجيعيّة داخليّة، خاصّة القروض السكنيّة التي تمنح من قبل المصارف اللبنانيّة بأشكالها المتعدّدة (قروض عبر المؤسّسة العامّة للإسكان، برامج خاصّة للمصارف، قروض بنك الإسكان ومؤسّسات أخرى كالجيش وغيرها...). إلا أنّ ضعف هذا الارتباط يعود إلى ضعف حجم هذه القروض من مجموع تسليفات المصارف، حيث لم تتعدَّ نسبة هذه التسليفات (السكنيّة) من مجموع تسليفات المصارف ما نسبته 5.55% في عام 2004 وتطوّرت سنوياً، لتصل إلى 11.65% في عام 2010، وهذا ما يظهر من خلال الجدول التالي:
جدول رقم (11): تطوّر القروض السكنيّة والتسليفات المصرفيّة نسبة القروض السكنيّة من مجموع القروض المصرفيّة نسبة النمو% مجموع القروض (مليون ل.ل.) نسبة النمو % قيمة القروض السكنيّة (مليون ل.ل.) السنة 5.55% --- 26862244 -- 1490824 2004 5.48% 1.05 27144750 -0.17 1488279 2005 6.12% 53.15 41573447 71 2546048 2006 6.39% 1.11 42034949 5.5 2686022 2007 7.42% 2.07 42905724 18.5 3183920 2008 8.24% 9.06 46793617 21 3858993 2009 11.65% 24.68 58344434 76.2 6799790 2010
هذا التطوّر في القروض السكنيّة الممنوحة من المصارف اللبنانيّة، يدلّ على: - انخفاض مساهمة القطاع المصرفي اللبناني في تنمية القطاعات المنتجة الأخرى، وليس فقط على زيادة معدّلات النمو العقاري. زيادة في إيرادات المصارف اللبنانيّة، إذ إنّ قيمة هذه القروض، تحتسب كجزء من الاحتياطي الإلزامي المتوجّب على المصارف اللبنانيّة، والمفروض من قبل المصرف المركزي ودون عوائد تذكر. تعتبر هذه العمليّة نوعاً من أنواع المشاركة بين القطاع الخاص والدولة في تمويل عمليّات التنمية. وبحسب مدير عام بنك بيروت للاستثمار أنطوان شمعون، إنّ عدد المستفيدين من قروض المؤسّسة العامّة للإسكان ارتفع إلى 40000 خلال عشر سنوات (2000-2010)، بقروض إجماليّة يفوق حجمها الثلاثة آلاف مليار ليرة. وحتّى اليوم دفعت المؤسّسة نحو 1000 مليار ل.ل. كفوائد، بينما دفع المقترضون 800 مليار ليرة كفوائد، وتمّ استخدام 80000 بوليصة تأمين لتغطية هذه القروض، وبالتالي خلقت القروض السكنيّة عبر المؤسّسة العامّة للإسكان لوحدها نشاطاً مالياً يقدّر بـ 3.8 مليارات دولار. لقد شهدت التسليفات السكنيّة في سنوات 2000- 2010 معدّلات نمو مميّزة أهمّها عام 2006، وهذا يعود إلى: - عام 2005 كان عام توترات سياسيّة وأمنيّة حادّة وعديدة، أهمّها اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما تلاه من انسحاب للجيش السوري من لبنان، والانقسام السياسي والشعبي الحاد الذي تلاهما، ممّا أدّى إلى تباطؤ في الاقتصاد اللبناني بكلّ قطاعاته، ومنها القطاع العقاري، وهذا ما يفسّر ظهور غالبيّة مؤشرات عام 2005 سلبيّة. - على الرغم من حجم الدمار الكبير الذي نتج عن العدوان الإسرائيلي على لبنان في تمّوز عام 2006 وخصوصاً على القطاع العقاري، فإنّ حجم الأموال الوافدة إلى لبنان خصوصاً التحويلات الخارجيّة كان كبيراً جداً وقدّر بحوالى 20 مليار$ خلال عامَي 2008 و2009، وكان من مصادر متعدّدة أهمّها: - تحويلات اللبنانيين المغتربين لدعم صمود أهلهم المقيمين. المال السياسي الذي تدفّق على لبنان من الدول العربيّة وغيرها، لإعادة إعمار ما هدمته الحرب، وهذا ما أسهم في ارتفاع مؤشرات النمو في هذا العام مقارنة بما سبق (2005). - التمايز الآخر في سنوات النمو للقروض السكنيّة، يعود لعام 2010، والتي كانت نتيجة عملية تراكم لتطوّرات أعوام 2008 و2009 الماليّة، وأثرها الإيجابي على نمو الودائع في المصارف اللبنانيّة، حيث وصلت هذه الودائع إلى حوالى 120 مليار دولار بزيادة قدّرت بحوالى 20 مليار دولار، وتمّ استخدام جزء من هذه الأموال الوافدة في تسليفات عقاريّة، ما أدّى إلى نمو حاد خلال 2010.
خلاصة لقد أثّرت مجموعة من العوامل على الوضع العقاري في لبنان، وأدّت إلى طفرة عقاريّة، وتضخّم سريع في مستوى الأسعار، وكما ذكرنا سابقاً فإنّ زيادة الأسعار بلغت حدود 400% في فترة لا تزيد عن الخمس سنوات، وأنّ قيمة التداول في السوق العقاريّة بلغ في أعوام 2008 و2009 حوالى 10 مليارات دولار، في حين أنّ الناتج المحلّي لم يكن يتجاوز 33 مليار دولار. لكن بالرغم من ذلك، فإنّ هذا التطوّر لن يؤدّي إلى فقاعة عقاريّة، لأنّ النشاط العقاري في لبنان يختلف في طبيعة تمويله عن تلك المعتمدة في الأسواق العالميّة، حيث كان سبب الأزمة العقاريّة في الولايات المتحدة الأميركيّة، الإفراط في التمويل بالدين، لتوظيفات اتّسم طابعها بالمضاربة أكثر منه بالاستثمار. فالرافعة التمويليّة في تلك الأسواق بلغت نحو أربعة أضعاف، مقارنة بقاعدة لا تتجاوز النصف في لبنان ممّا يتيح للمصارف الدائنة هامشاً مريحاً لتسييل العقار واسترداد الدين في أصعب الظروف. هذا الواقع لم يتوفر في الأسواق العالميّة، والفضل يعود إلى الضوابط الائتمانيّة، المعتمدة من المصرف المركزي والسلطات النقديّة. إلا أنّ هذه الضوابط لم تمنع حدوث تقلّبات حادّة في الأسعار، حيث إنّ غالبيّة التمويل العقاري هو تمويل ذاتي، وعلى الرغم من أنّ السوق العقاريّة في لبنان تشهد على الدوام حركة صعود وهبوط تبعاً لقانون العرض والطلب، حيث لا تلعب المضاربات دوراً مهمّاً في ذلك، ممّا يؤدّي إلى مراحل تصحيح طبيعيّة (وهذا ما نلحظ بعضه مع بداية 2011)، لكنّها لا تصل إلى مرحلة انهيار الأسعار. إنّ انتفاء احتمالات حدوث فقاعة عقاريّة، لا ينفي وجود أزمة عقاريّة ومشكلة إسكان يعاني منها الشعب اللبناني. - نظراً للهوّة الكبيرة بين أسعار الشقق والقروض المطلوبة لتغطيتها من جهة، وقيمة المداخيل للموظف والعامل اللبناني المقيم من جهة أخرى، لم تعد تلبّي القروض المصرفيّة حاجة اللبناني المقيم لشراء الشقق بهدف السكن. من هنا نلاحظ أنّ النمو في قروض المصارف اللبنانيّة في عام 2010 ذهب بغالبيّته للبنانيين غير المقيمين. - نتيجة للأزمة الماليّة لعامي 2008 و2009 وتحوّل العديد من رؤوس الأموال العربيّة واللبنانيّة إلى لبنان، توجّه قسم كبير منها لاحقاً إلى الاستثمار العقاري، ما أدّى إلى ارتفاع جنوني في أسعار الأراضي وبالتالي أسعار الشقق حيث إنّ 90% من الشقق السكنيّة التي تزيد مساحتها عن 400 متر مربع، اشتراها خليجيّون أو لبنانيّون غير مقيمين. لقد سجّل الثلث الأوّل من عام2011 تراجعاً طفيفاً في حركة تراخيص البناء، مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2010، وهو ناتج عن انخفاض الطلب على الشراء من اللبناني المقيم، الأمر الذي بدّل وجهة المطوّرين والمقاولين نحو بناء الشقق الصغيرة، وذلك تماشياً مع قدرة اللبنانيين وتبعاً لحجم مداخيلهم، واستناداً إلى مسح ميداني للحركة العقاريّة لعام 2010، أظهر النتائج التالية: - البدء بالتوجه نحو بناء الشقق الصغيرة، والتي بلغت نسبتها11% من مجموع مشاريع البناء عام2011. والمقصود بالشقق الصغيرة التي تبلغ مساحتها 150 متراً مربعاً وما دون. - عزوف العديد من المطوّرين عن الشقق الكبيرة، وتحوّلهم نحو الشقق المتوسّطة والتي تتراوح مساحتها ما بين 150 و300 متر مربّع. - إنّ نسبة البيوعات في الشقق الصغيرة والمتوسّطة بلغت 85% من مجموع الشقق المبنيّة. - على الرغم من النمو المطّرد في المساحات المبنيّة، فإنّ الاحتياجات السكنيّة للمقيمين وحدهم، تقدّر بـ 15000 وحدة سكنيّة، فضلاً عن الطلب من غير المقيمين، والذي يشكّل لوحده 40% من إجمالي الطلب العقاري في لبنان.
المصدر : مجلة المغترب |
No comments:
Post a Comment