«بيت الياسمين».. فندق سياحي يحاكي البساطة الممزوجة برائحة البحر
ديكوره يستوحي روح التراث الدافئة
حين أخبرتني صديقتي الفرنسية مايا صوراتي التي تعمل في صحيفة «لوريان لوجور» اللبنانية، بأن في مدينة الميناء على ساحل طرابلس يتربع فندق جديد لم أكن أعلم بوجوده، قررت زيارته على الفور مع رفاقي. شجعني حديثها «المسهب» عنه، على رؤية ديكوره الشرقي المليء برائحة البخور. الغرف مليئة بحميمية مسبقة لا يمكن تجاهلها، حيث تحافظ في نمطها «الخافت» والأليف على روح عربية معاصرة.
أسرّة مريحة وتقليدية مزخرفة ومصقولة بحديد مذهب، وخزانات خشبية عتيقة، جاء بها صاحب الفندق نبيل نجار إلى لبنان من الهند، وبعضها تم شراؤه من سكان محليين أرادوا بيع «عفشهم»، وألحفة ومساند مشغولة يدويا من أسواق مصر القديمة، تحولت هذه الأغراض من أثاث عادي داخل الغرف إلى تحف رائعة تبهر زائريه، حيث المساحة تصبح «ترفا» رغم البساطة.
لم أكن أتوقع أن يبهرني الفندق بشدة، حيث لا يزال يحافظ على طابع معماري يعود إلى العصر الكونيالي، إذ كانت مدينة الميناء البحرية مركزا تجاريا وسياحيا معروفا في تلك الحقبة الاستعمارية، وتأثرت أبينتها بالفن الإيطالي والفرنسي على حد سواء.
ليس المكان بيتا عاديا أو فندقا يشبه فنادق لبنانية أخرى، إن بالشكل أو في المضمون. فهو خلق ليكون شيئا آخر يحكي قصة «خاصة» لا تخلو من الغرابة. البيت يخلط البساطة بشجون عربية لا محدودة، حيث تغلف غرفه صور «ملهمة» لشرق دافئ ومليء بالحنين. إنه فقط «بيت الياسمين»، هكذا تكتشف اسمه وهو يحمل الرائحة ممزوجة بروائح أخرى من البن المغلي، ورائحة فل وغاردينيا وعنبر وبخور مريمي أشبه برائحة الأديرة المقدسة إلى رائحة البحر.. تأتي الرائحة رقيقة بنسمات خفيفة، تجاور حجارة الفندق المصقولة بعناية، إذ يلاصق البحر أفق الفندق وشرفاته المطلة على الكورنيش الطويل.
التسمية ليست مصادفة، جاءت بعد فترة من معاشرة صاحب الفندق سكان الحي، الذين يفوق معظمهم السبعين عاما. كان يمر قربهم في الصباح أثناء تناولهم رشفات القهوة اللبنانية على شرفاتهم أو على المصطبات الصغيرة أمام بيوتهم، المزنرة حدائقها بالياسمين والفل، ويرمي عليهم تحية الصباح فيردون عليه: صباح الياسمين. هكذا خلقت التسمية من تحية ودية يمارسها السكان المحليون المتجاورون مع الفندق.
لا تنتهي حجوزات الفندق رغم كل الأوضاع الأمنية التي تمر بها مدينة طرابلس وجوارها الشمالي وتأثرها بالوضع السوري المتأزم، وعلى العكس بدت الأزمة السورية وما تبعها عامل جذب لصحافيين أجانب فضلوا النزول فيه ليتابعوا إنهاء ريبورتاجاتهم وأفلامهم المصورة عن منطقة وادي خالد وأوضاع النازحين هناك.
توحي عمارة الفندق الحجرية القديمة بدقة هندسية يمكن ملاحظتها بسرعة. لم يكن الفندق سوى منزل عادي لأحد أهم أطباء الميناء والمعروف بلقب «طبيب الفقراء» يعقوب اللبّان. الحي حمل اسمه لاحقا. لكن البيت الذي ترك لنصف قرن مهملا، حوّله نجار بعد عودته من الولايات المتحدة الأميركية إلى فندق وبيت لممارسة اليوغا.
باردا ولطيفا يأتي الشعور فور دخول الباب الفيروزي، حيث يستقبلك فوقه رمز حجري يؤكد أن البناء عمره أكثر من مائة عام. الباب لا يزال يحافظ على نقوشه. يعبر الباب إلى سلم حجري درجاته واطئة توصل إلى ردهة واسعة تتوزع على أطرافها غرف الفندق الخمس. هناك تصبح «اليوغا» في صالونه المبلط بالرخام القديم المزخرف أشبه بقصة أسطورية لا تنتهي من المتعة، حيث يضم الفندق قاعة مخصصة لممارسي اليوغا التقليدية، بإشراف صاحب الفندق نفسه، إذ يعمل مدربا لرياضة اليوغا الروحية واختار الفندق بيتا له ومكانا للعمل وفندقا يستقبل فيه السياح والزائرين إلى المدينة الشمالية المطلة على البحر الأبيض المتوسط.
تحول «بيت الياسمين»، مع الوقت وبعد انتهاء ترميمه، من بيت يسكنه رجل أعزب إلى فندق لا يستقبل زوارا كثيرين، هو فقط أنشئ كي يكون فندقا «حميما» لمن يرغب في استجمام ساحلي بعيد عن ضجيج المدن الكبرى. تستحق زيارة الفندق العناء. يتوسط محيطا سكنيا لحي قديم وهادئ وقرب شارع سهر وحيد في مدينة طرابلس المحافظة. تحاكي تلك البيوت الصغيرة المطوية في الأزقة الشرق القديم بكل ألقه وتنوعه. فالحي المختلط طائفيا لا يزال يخفي أناسا لم تلوثهم «الطائفية»، ولا يزالون يعيشون على بساطة يومية هادئة. يومياتهم «متآلفة» مع حياة خفيفة ومسترخية بكل تفاصيلها. «ترويقة» من اللبنة البلدية والزيتون والجبنة والمربى المجفف وأكواب الشاي، يتبعها جلسة القهوة المرة. هكذا يبدو «جو» الحي. يتوزع الناس فيه بخفة أمام رصيفه. يجذب المشهد السياح المارين هناك ليلتقطوا روح المكان، حيث ينامون في الفندق تاركين مساحته لاسترخائهم العابر. يشار إلى أن الفندق يقدم لزبائنه إضافة إلى الخدمات الفندقية ترويقة لبنانية ونباتية، إضافة إلى صحون الفول والحمص.
جريدة الشرق الاوسط
No comments:
Post a Comment